تركيا  استدارة عن الاستدارة

تركيا ... استدارة عن الاستدارة

المغرب اليوم -

تركيا  استدارة عن الاستدارة

بقلم : عريب الرنتاوي

تعود “ريما” التركية إلى بعض “عاداتها القديمة” في سوريا ... الرئيس رجب طيب أردوغان يعاود بعث “أحلامه القديمة” بقوة هذه الأيام ... يتحدث عن التوجه إلى منبج وبعدها إلى الرقة، غير آبه بوجود قوات الحماية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة ... يجدد مطالبته بمنطقة آمنة بمساحة تقارب مساحة الضفة الغربية (5000 كيلومتر مربع) مسيجة بفضاء خالٍ من الطيران الروسي – السوري ... أردوغان لم يقف عند هذا الحد، بل دعا إلى جعل الفصائل المحسوبة عليه وعلى أجهزته الأمنية والمخابراتية، نواة “جيش سوريا الوطني” في المستقبل.

مثل هذه المواقف التي غابت عن الخطاب الرسمي التركي لعدة أشهر، ما كان لها أن تعود من جديد، إلا بفعل جملة من التطورات الإقليمية والدولية، أهمها التفاهمات الروسية – التركية التي سمحت لأنقرة بالتوغل في العمق السوري وحجز مقعد وثير لها على مائدة التسوية النهائية للازمة السورية من جهة، وانتخاب دونالد ترامب بمواقفه التصعيدية ضد إيران وحلفائها من جهة أخرى ... أنقرة تعوّل كثيراً على تقاربها مع واشنطن، وهي تشعر – محقة أو مخطئة– بأن لديها “سانحة” يتعين استغلالها للنهاية، حتى وإن أفضى ذلك إلى “تجاوز” التفاهمات مع موسكو أو إعادة صياغتها، أو فرض وقائع جديدة على الأرض السورية، سيصعب على الكرملين القفز من فوقها.

ولأن تركيا “مهجوسة” بخطر الكيانية الكردية السورية الصاعد، وبرغبتها في قطع الطريق على أية فرصة لقيام كيان كردي – انفصالي متصل جغرافياً في شمال سوريا، فقد أظهرت استعداداً جدياً في التجاوب مع متطلبات موسكو والمجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب ... أعلنت الحرب على داعش، بعد أن فتحت لـ “مقاتليه” مطاراتها وموانئها وحدودها، وفي “الأستانا” قدمت رأس جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) على طبق من فضة لروسيا والمجتمع الدولي، الأمر الذي يفسر حروب “النصرة” الاستباقية ضد مسار “أستانا” في الشمال الغربي، إدلب وجوارها، وعلى الجبهة الجنوبية في درعا والمنشية و”الموت ولا المذلة”.

ومن أجل استكمال “الاستدارة الثانية” عن “الاستدارة الأولى”، تعمل أنقرة على جملة مسارات متوازية ... ميدانياً تعزز نفوذها العسكري في سياق “درع الفرات”، وكان لافتاً سماحها لمليشيات تركية قومية متشددة “الذئاب الرمادية” القيام بأدوار متزايدة وعلنية في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الجيش التركي، فضلاً عن تدعيم الفصائل المحسوبة عليها والموالية لها ... وسياسياً، ذهبت بعيداً في تعزيز علاقاتها مع دول الخليج العربية، كما أن أنقرة لم تعد تترك سانحة تمر من دون أن تؤكد “أطلسيتها” ورغبتها الجامحة في التعاون مع واشنطن، خصوصاً بعد المكالمة الهاتفية  المطولة نسبياً بين ترامب وأردوغان، وزيارة رئيس الـ”سي آي إيه” إلى انقرة للغرض ذاته.

تطرح “الاستدارة عن الاستدارة” أسئلة عميقة حول مدى صلاحية التفاهمات التي سبق لأنقرة أن أبرمتها مع موسكو، هل ما زالت قائمة، أم أن التطورات قد تجاوزتها، وكيف ستتعامل موسكو في حال شعرت أن السيد أردوغان قد خذلها ونكث بتفاهماته معها وتعهداته إليها؟ ... لا أحد يدري ما الذي يدور في خلد “القيصر” حتى الآن، بيد أن ثمة رسائل أطلقتها موسكو مؤخراً، فُهمت على أنها تعبير عن حالة الاستياء وعدم الرضى عن التحولات في الموقف التركي.... منها حديث موسكو عن “اجندة تركية خاصة” في سوريا، عير تلك المتعلقة بالحرب على الإرهاب، ومنها ترسيم حدود التقدم التركي العسكري على محور الباب، ومنها، وهنا نكتفي بطرح المسألة على شكل سؤال أو تساؤل، حول الضربة الجوية الروسية لموقع تركي في الباب، والتي أفضت إلى مقتل عدد من الجنود الأتراك ... موسكو أدرجت المسألة في باب “النيران الصديقة”، وحملت الأتراك مسؤولية تقديم إحداثيات خاطئة عن مواقع داعش، في حين ردت تركيا بالنفي ولكن من دون تصعيد واتهامات صريحة لموسكو ... فهل كنا أمام “خطأ بشري” بصرف النظر عن مصدره، وهل هي “نيران صديقة” حقاً، أم أننا فعلة مقصودة، محمّلة بالرسائل التحذير إلى تركيا من مغبة المضي بعيداً في استدارتها الجديدة؟

المصدر : جريدة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا  استدارة عن الاستدارة تركيا  استدارة عن الاستدارة



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib