تصدَّر تدبير الشأن الثقافي في المغرب اهتمامات الملك محمد السادس على مدار عشرين عامًا، حيث جاءت أبرز الإنجازات الملكية تتمثَّل في "الاهتمام بالتراث الثقافي المغربي في مختلف روافده، إلى تدبير الشأن الديني للمغاربة، فتثمين مختلف تعبيراتهم اللغوية والفنية، والاحتفاء بتميّزهم المعرفي".
ووصل الاهتمام بالثقافة المغربية إلى ذروته مع دستور 2011، الذي نصّ على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبّثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية"، وعدّد روافد "الشخصية المغربية" التي وحّدها انصهارُ "كلّ مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية"، وأغنتها "روافدها الأفريقية، والأندلسية، والعبرية، والمتوسطية".
وبعد مسيرة الاهتمام باللغة والثقافة الأمازيغيّة التي بدأت رسميّا بـ"خطاب أجدير"، الذي جعل النهوض بها مسؤولية وطنية، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أقرّ الدستور المغربي بأنّها لغة رسمية للدولة، ورصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء، كما نصّ على أن "الدولة تعمل" على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر أيضا على "انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم".
اقرا أيضًا:
متخصّصون يشيدون بـ"نوبة الاستهلال" في توثيق التراث المغربي
وتميّزت فترة حكم الملك محمد السادس في ما يتعلّق بإصلاح الشأن الديني بصيانة الإسلام المغربي، عن طريق توسيع شبكة المجالس العلمية، وتنظيم التعليم العتيق وتسييره، وتنظيم الحجّ، وبرنامج محو الأمية بالمساجد، وإحداث مؤسّستين إعلاميّتين تؤطّران الشأن الديني بالبلاد وفق ثوابته الدينية، وإحداث مؤسّسات تكوينية أساسها "الإسلام المعتدل"، مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وتجديد دور جامع القرويين، ودار الحديث الحسنيّة.
كما عُمِلَ في عهد الملك محمد السادس على صيانة الروافد المكوِّنَة "للإنسِية المغربية"، والتي من بينها التراث الثقافي اليهودي، بصيانة مجموعة من الملّاحات، والبِيَع، أي المعابد اليهودية، والمقابر اليهودية، وهو النهج المثمّن لمكوّنات الثقافة المغربية الذي سيستمرّ بإعطاء انطلاقة تشييد متحف للتراث الثقافي اليهودي بفاس، ليضاف إلى متحف التراث الثقافي اليهودي بالدار البيضاء.
ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، قال إن فترة عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس عرفت حضورا قويّا للثقافة في السياسات العمومية والبرامج الإقليمية والجهوية، كما شهدت تصالحا مع الشأن الثقافي عبر مجموعة من القوانين المؤطّرة له.
ويذكر بلقاضي أن في فترة حكم الملك محمد السادس ظهرت مجموعة من المتاحف التي تصون التراث الثقافي؛ فأضحت جلُّ المدن تتوفر على متاحف، مقدّما مثالا بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، ومتاحف أخرى في مدن مثل الرشيدية، ومراكش، وهي السياسة التي رافقها إحياء مسارح وطنية ودولية "لأنها خزينة التراث اللامادي المغربي".
في هذا العصر الذي صارت فيه الثقافة واجهة للعلاقات الدولية ومصدرا للاستثمار، يرى المحلّل أن الملك محمّدا السادس يعي جيدا أولويّة الثقافة في النظام الدولي الجديد، ويعي أنّ عليها أن تكون من أهم آليات التنمية وحماية التنوع الثقافي المغربي.
ومن بين أمثلة "الإرادة الملكية القوية في النهوض بهذا الشّأن"، والأولوية التي تحتلّها الثقافة في سياسات الدولة، حَسَبَ المحلّل، توشيح الملك محمد السادس عددا من المثقفين والفنانين في الأعياد الوطنية، ونصُّ الدستورِ المغربي في فصله 19 على أن الحقوق الثقافية من حقوق المغربي، بل إنّ هناك مساواة بينها وبين باقي الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
قد يهمك أيضًا:
محمد الأعرج يُشيد بقانون تنظيم المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية
وزارة الثقافة المغربية تُعلن دعم 577 مشروعًا في مجالات النشر والكتاب والقراءة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر